(الصحة الغذائية)؛ إن الانتشار الواسع لمقولة أن المياه المعبأة في عبوات (المياه المعدنية) أعلى جودة من مياه الحنفية (الصنبور أو الحكومية) قد سبب تحولا كبيرا في الرأي العام العالمي، ففي عام 2011 ، يتوقع أن تصل قيمة سوق المياه المعبأة إلى حوالي (86,421 مليون دولار)، بزيادة قدرها 41.8% منذ عام 2006. كما يتوقع له أن يبلغ حجم التداول من كميات المياه حوالي (174,287 مليون ليتر)، أي بزيادة قدرها 51 % منذ عام 2006.
يتجه المستهلكون عادة لشراء المياه المعبأة في زجاجات تحت وطأة الاعتقاد الخاطئ بأن هذه المياه أكثر أماناً ونقاء أو أكثر صحة من مياه الحنفية، فلقد أنفقت شركات المياه المعبأة مليارات الدولارات لدفع المستهلكين وإخضاعهم، تحت الضغط الإعلامي الهائل، إلى الاعتقاد بأن المياه المعبأة أكثر أماناً أو أكثر صحة من مياه الحنفية.
هل حقاً المياه المعبأة أفضل نوعية من مياه الحنفية (الحكومية)؟
حقيقة أن هذه المقولة ليست دقيقة، فقد صرح مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية (NRDC)أنه: “لا ينبغي لأحد أن يفترض أنه لمجرد شراء الماء المعبأ في عبوة أنه أو أنها بالضرورة قد حصل على ماء أكثر ثقةً ونقاءً وأماناً من ماء الحنفية” وذلك بعد الانتهاء من دراسته التي استغرقت 4 سنوات والتي قضاها في دراسة وتحليل وضع صناعة المياه المعبأة، بما في ذلك دراسة مشاكلها المتعلقة بالتلوث الجرثومي الكيميائية.
في الواقع، ينبغي أن يكون الناس أكثر قلقاً بشأن نوعية المياه التي يشربونها أكثر من اهتمامهم بنوع العبوة أو الطريقة التي تأتي بها. كشفت مئات من التقارير مؤخراً أن النوعية العالية التي توصف بها المياه المعبأة مبالغ فيها إلى حد كبير . تقريبا كل الدراسة المستقلة التي أجريت على المياه المعبأة أظهرت وجود تلوث بالبكتيريا و / أو بالمواد الكيميائية الصناعية، حيث يقول تشارلز ستراند، مؤلف كتاب “كل شيء عن المياه“ و رئيس تحرير WaterWarning.com (من المستحيل الحصول على مياه خالية من المواد الكيميائية سواء من المياه المعبأة أو مياه الحنفية).
وفي دراسة مجلي الدفاع عن الموارد الطبيعية أنفة الذكر، قام الباحثون باختبار أكثر من 1000 عبوة ماء مأخوذة من 103 (ماركة) نوعية من المياه في ثلاثة مختبرات مستقلة،حيث وجد الباحثون أنحوالي ثلث العبوات المختبرة من المياه المعبأة ملوثة بنسب غير مقبولة على الإطلاق من مختلف المواد الملوثة (سواء الكيميائية مثل “الزرنيخ، والتولوين، الفثالات، الستايرين” أو الجرثومية مثل “الكريبتوسبوريديوم، القولونية”) والتي تتجاوز تلك الحدود المسموح بها بموجب مقاييس هذه الصناعة أو دليلها التوجيهي في اختبار واحد على الأقل.
بعد كل هذه الحقائق ، تجد الكثير من الناس لا يشعرون بالراحة في شرب مياه الحنفية، ولذلك يقومون بشراء المياه المعبأة عوضاً عنها، لأنهم يعتقدون أنها أكثر ثقة، والحقيقة هي أن مياه الحنفية الحكومية أكثر خضوعاً لعمليات الضبط ومراقبة الجودة، في حين أن المياه المعبأة ليست كذلك، ويمكن أن تحتوي على أشياء كثيرة لا يتسامح فيها من الناحية القانونية والعملية في مياه الحنفية المزودة من قبل الحكومة.
وتلعب الدعاية التسويقية دور مضلل كذلك، حيث تقوم معظم الشركات المنتجة للمياه المعبأة بالإدعاء أو بالإيحاء بأن مصادر مياهها من الينابيع الطبيعية البكر وفي الحقيقة هي ليست كذلك، فوفقاً لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية وتقييم الصناعة لديها، فإن حوالي ربع المياه المعبأة هي في الحقيقة مياه صنبور مع بعض المعالجة الإضافية في بعض الأحيان، وعلى سبيل المثال، إحدى العلامة التجارية المشهورة والتي تضع صورة البحيرة والجبال على عبواتها فإن مياهها المعبأة ما هي إلا مياه بئر في كراج وقوف السيارات في المنطقة الصناعية التابعة للشركة بالقرب من مكب للنفايات الخطرة، ولدى فحص مياه هذه الشركة وبشكل دوري تبين أنها ملوثة بالمواد الكيميائية الصناعية على مستويات أعلى من معايير إدارة الدواء والغذاء الأمريكية (FDA).
هل يشكل بلاستيك عبوات المياه مصدر خطر أو تهديد؟
وفق الدراسة التي أجرتها جامعة غوته في فرانكفورت، وجدت أن نسبة عالية من المياه المعبأة والوارد في حاويات من البلاستيك ملوثة بالمواد الكيميائية الاستروجينية، حتى المياه المعبأة في عبوات زجاجية وجد أنها ملوثة بالمواد الكيميائية كذلك، ويعتقد الباحثون أن بعض من التلوث الموجود في حاويات بلاستيكية قد يأتي من الأوعية البلاستيكية نفسها، لذا فإن الحقيقة الواضحة تقول: إن كل العبوات البلاستيكية ترشح مواد كيميائية اصطناعية إلى الماء المحتوى بداخلها بدرجة متفواتة فيما بينها.
كل العبوات البلاستيكية تحتوي على رمز إعادة التدوير في القاع، حيث يشير هذا الرمز إلى عدد المرات التي يمكن استخدام العبوة فيها، وكذلك وما هي المواد التي تصنع منها هذه العبوة، على سبيل المثال (الرقم 2 يشير إلى البولي اثيلين عالي الكثافة، والرقم 4 يشير إلى البولي اثيلين منخفض الكثافة، والرقم 5 البولي بروبلين)، وعادة ما تكون العبوات المستخدمة في تعبئة المياه تحمل الرقم 1 والتي لا ينصح باستخدامها إلا مرة واحدة، وبشكل عام تكون مثل هذه العبوات ذات الاستخدام لمرة واحدة خالية من مادة بيسفينول A، ولكن بعض العبوات المعاد استخدامها تحوي على هذه المادة، والخبر غير السار، أنه حتى عبوات البولي كربونات الشائعة المعدة للاستخدام عدة والتي تحمل الرمز 7 لإعادة التدوير، قد ترشح مادة البيسفينول A إلى الماء الحاوية عليه.
ومادة البيسفينولAهي عبارة عن مادة كارهه للاسترجينات (xenoestrogen)، ,والمعروفة بالمواد المعطلة لعمل الهرمونات، وهذا يعني أنه يعطل الرسائل الهرمونية في أجسامنا، وترتبط هذه المواد الكيميائية الاصطناعية بظهور سرطان الثدي وسرطان الرحم عند النساء، وانخفاض مستويات هرمون تستسترون لدى الرجال، ومدمرة بصفة خاصة عند الرضع والأطفال الصغار. وقد تم ربط هذه المادة بحالات مقاومة الأنسولين وداء السكري من النوع 2.
وهناك أيضا مجموعة أخرى من المواد الكيميائية، تدعى بالفثالات، وهي مادة كيميائية تضاف عادة إلى البلاستيك لجعله أكثر مرونة وأقل هشاشة، وهي عبارة ملوثات بيئية يمكنها أن تظهر مظاهر سلوكية كهرمونات فتقوم بتعطيل عمل هرمونات الغدد الصم في الإنسان والحيوان، وفي حال تسخين البلاستيك، تزداد عملية الارتحال والرشح لمادة الفثالات من العبوات إلى المياه بداخلها، لذا يبدو جلياً الخطر الكامن في تعرض عبوات المياه المعدنية للحرارة (أشعة الشمس المباشر، حرارة المحركات..) خلال عمليات النقل أو التخزين أو حتى البيع.
إشاعة الديوكسين والبلاستيك
اجتاحت الإنترنت منذ عام 2004 إشاعة من خلال رسائل البريد الإلكتروني والمواقع والمنتديات غير المسؤولة تحذر من تجميد وتبريد المياه المعبأة في عبوات بلاستيكية حتى لا تتعرض هذه المياه لارتشاح مادة الديوكسين المسببة للسرطان، وقد نسبت هذه الرسائل لجامعة جونز هوبكنز الأمريكية، وفي كثير من الأحيان تحت عنوان “جونز هوبكنز أخبار السرطان” أو ” جونز هوبكنز تحديث السرطان “.
وللإنصاف، فقد صرحت جامعة جونز هوبكنز من خلال موقعها الرسمي أن كل هذه الأخبار تنسب زورا إليها، وأنها لا تؤيد ما ورد فيها، وتؤكد أن تجميد المياه وتبريدها في الثلاجات لا يؤدي إلى ارتشاح المواد الكيميائية من العبوات البلاستيكية، لأن التجميد في الواقع يعمل ضد ارتشاح المواد الكيميائية، فالمواد الكيميائية لا تنتشر بسهولة في درجات الحرارة الباردة، وبالتالي فمن شأنها الحد من إطلاق ورشح المواد الكيميائية كالديوكسين إن وجد في البلاستيك ، ونحن لا نعتقد بذلك، على حد وصف الجامعة نفسها.
عبوات المياه المعدنية والتهديد البيئي المقلق
ينبغي علينا جميعاً أن نلتفت أيضاً إلى البيئة عند شراء المياه المعبأة في عبوات بلاستيكية، لأننا جزء من هذه البيئة، مثلما الصحة البيئية هي جزء من الصحة العامة التي تؤثر على حياتنا.
هناك200 مليار عبوة من الماء (أي ما يعادل 1.5 مليون طن من النفايات البلاستيكية) تستهلك سنويا على الصعيد العالمي، ووفقاً لمنظمة حماية الغذاء والماء (Food and Water Watch)، إن هذه الكمية من البلاستيك تتطلب حوالي 47 مليون غالون من النفط الخام لإنتاجه. كما وتتطلب أبضاً كميات إضافية أكبر من الطاقة ومصادرها الأخرى خلال عمليات النقل والشحن عبر العالم، مما يعني كميات هائلة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تنتج عن تصنيع ونقل العبوات البلاستيكية، وأكثر من ذلك، فوفقاً لوكالة حماية البيئة الأميركية، فإن حوالى 20% فقط من عبوات المياه البلاستيكية يتم إعادة تدو، في حين أن 80% منها يتم إلقاؤه ببساطة لتلويث الطبيعة ، هكذا يمكننا أن نتخيل حجم الضرر الذي تسببه لنا هذه الصناعة، لذا على الأرجح أنه أكثر حكمةً وإنصافاً للبيئة أن نقوم بشرب الماء من الحنفية (الصنبور) أفضل من المياه المعبأة في عبوات بلاستيكية.
22 آذار / مارس هو اليوم العالمي للمياه، وقد وضعته الأمم المتحدة منذ 15 عاماً لتركيز الاهتمام على الحاجة الواضحة والمشاكل في الحصول على مياه نظيفة للناس، وفي الولايات المتحدة فإن المجموعة الدولية لمساءلة الشركات تستخدم هذا اليومكدعوة لتحث الناس على الامتناع عن شراء المياه المعبأة والاستعاضة عنه بمياه الحنفية (الحكومية).
الخلاصة، من خلال كل هذه التقارير والدراسات وغيرها حول الموضوع، لا يوجد هناك أي تفسير منطقي لاستخدام المياه المعبأة في عبوات فهي أكثر تكلفة بكثير (الناس ينفقون من 240 إلى أكثر من 10،000 مرة أكثر للغالون الواحد من المياه المعبأة مقارنة بمياه الحنفية “الحكومية”)، وكذلك هي أقل توفراً وأكثر تلويثاً لكوكبنا.
تعليقات
إرسال تعليق
شرفنا بتعليقك عن الموضوع